*** بسم الله الرحمان الرحيم ***
قال الله تعالى: بسم الله الرحمان الرحيم {كَذَّبَتْ قَومُ لُوطٍ بالنُّذُرِ* إِنَّا أَرْسَلْناَ عَلَيْهِمْ حَاصِباً إلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ* نِّعْمَةً مِّنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِيْ مَنْ شَكَرَ* وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بالنُّذُر} (القمر: الآية 33-36).
عاش لوط (عليه السلام) في نفس زمن إبراهيم (عليه السلام) مرسلاً إلى بعض الأقوام المجاورة لإبراهيم ، كان هؤلاء القوم كما يخبرنا القرآن الكريم يمارسون الشذوذ لم تعرفه البشرية قبلهم ، وهو اللواط.
عندما نصحهم لوط (عليه السلام) بأن يقلعوا عن ممارسة الفواحش وأنذرهم بطش الله وعقابه ، كذبوه وأنكروا نبوته ورسالته ، وتمادوا في شذوذهم وغيهم ، وفي النهاية هلك القوم بما وقع عليهم من كارثة مريعة.
في العهد القديم يشار إلى المنطقة التي أقام فيها لوط على أنها سدوم ، وحيث إن هذه المنطقة تقع إلى الشمال من البحر الأحمر ، فقد كشفت الأبحاث أن الدمار قد لحق بها تماماً كما جاء في القرآن الكريم ، تدل الدراسات الأثرية أن تلك المدينة كانت في منطقة البحر الميت التي تمتد على طول الحدود الأردنية الفلسطينية.
علماء يحلون لغز دمار سدوم وعمورة
في الآونة الأخيرة ، نشر 20 عالماً من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وجمهورية التشيك مقالاً طويلاً ومفصلاً مع الرسوم التوضيحية في المجلة العلمية نيتشر.
وهم يشملون الجيوكيميائيين ، وعلماء الجيومورفولوجيا ، وعلماء المعادن ، وعلماء الحفريات ، وعلماء الفيزياء الفلكية ، والأطباء وعلماء اللاهوت.
ولخص المقال نتائج بحثهم الذي إستمر قرابة 15 عاماً في بلدة تل الحمام الأردنية ، على بعد 12 كيلومتراً شمال شرق البحر الميت.
توصل العلماء إلى إستنتاج مفاده أن سدوم وعمورة كانت موجودة بالفعل. ومن المرجح أن الآثار التي إكتشفوها في تل الحمام تمثل بقاياها.
تشير إلى أن المنطقة قد أصابها هزة أرضية قوية ، وهنا نجد أن بحيرة لوط هي المكان الذي وقع فيه العقاب ، وتلك البحيرة تحمل دلائل واضحة عن تلك الكارثة التي وقعت لهم أثناء إهلاكهم.
قال العلماء ، سدوم وعمورة ، قد دمرتهما ضربة من الفضاء
يقول العلماء تم تدميرهما على وجه التحديد بواسطة نيزك مثل نيزك تونفوسكا الذي سقط على الأرض في عام 1908 في شرق سيبيريا وأدى إنفجاره إلى عاصفة نارية شديدة.
خلال الحفريات في تل الحمام ، وجد العلماء آثاراً لكارثة مروعة وقعت على أرض ما يعرف الآن بالأردن قبل 3600 عام. حتى أنهم حفروا بقايا جدران ضخمة بسمك 5 أمتار ، وأطلال العديد من المباني ، وهناك كتل غير منظمة تتكون من الرماد والفحم والمعادن المنصهرة والطوب الطيني المصهور والسيراميك وقطع من عظام الإنسان والحيوان والرمل تحول إلى زجاج.
من بين الأنقاض ، إكتشف العلماء جسيمات مجهرية تتشكل عند ضغط هائل يبلغ حوالي 400 طن لكل سنتيمتر مربع وعند درجة حرارة تزيد عن 1500 درجة مئوية.
من بين القطع الأثرية الأخرى ، وجد العلماء ما يسمى بـ "الجسيمات الكونية" ، وهي شوائب من حبيبات صغيرة من البلاتين ، والتي تذوب عند درجة حرارة 1800 درجة مئوية ، والإيريديوم ، الذي تبلغ درجة إنصهاره حوالي 2500 درجة مئوية ، لا يمكن أن يتشكل أي شيء من هذا النوع أثناء ثوران بركان أو زلزال أو حريق ناتج عن العمليات العسكرية.
ويعتقد العلماء أن سبب ما حدث هو كتلة بحجم نيزك "Tunguska" قطره 50-60 متراً طار في الغلاف الجوي للأرض بسرعة 61 ألف كيلومتر في الساعة ، وانفجر على إرتفاع حوالي 4 كيلومترات. كان الإنفجار أقوى بألف مرة من القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما ، والله تعالى أعلى وأعلم.
قال الله تعالى: بسم الله الرحمان الرحيم {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ} (هود: الآية 82).
لقد وصف القرآن الكريم هذا الخسف بكلمات بالغة الدقة وتختلف عن تلك التي أوردتها التوراة حيث ذكرت التوراة أن المدن قد قلبت رأساً على عقب "25 وَقَلَبَ تِلْكَ الْمُدُنَ ، وَكُلَّ الدَّائِرَةِ ، وَجَمِيعَ سُكَّانِ الْمُدُنِ ، وَنَبَاتَِ الأَرْضِ" ومثل هذا القلب لا يمكن أن يحدث مهما كانت قوة البركان المتفجر.
أما القرآن الكريم فقد إستخدم تعبيراً دقيقاً لعملية الخسف فقد ذكر أنه جعل المرتفع من أرض المدن أسفل من المناطق المنخفضة المحيطة بها {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} حيث أن المدن كانت مبنية على أرض ترتفع عدة عشرات من الأمتار عن مستوى سطح البحر الميت.
وقد إعتمد مفسرو القرآن الكريم في تفسير هذه الآية على الروايات الإسرائيلية فذكروا أن أرض المدن قد طارت في السماء ثم قلبت رأساً على عقب وهذا التفسير موقوفاً على التابعي محمد بن كعب القرظي وهو ممن أسلم أهله من يهود بني قريظة فقد جاء في تفسير النكت والعيون في تفسير هذه الآية {جعلنا عاليَها سافلَها} قال محمد بن كعب القرظي إن الله تعالى بعث جبريل (عليه السلام) إلى مؤتفكات قوم لوط فحملها بجناحه ثم صعد بها حتى إن أهل السماء يسمعون نباح كلابهم وأصوات دجاجهم ، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها وأتبعها بحجارة من سجّيل حتى أهلكها وما حولها ، وكن خمساً : صبغة ومقرة وعمرة ودوما وسدوم وهي القرية العظمى.
أما الدليل الثالث فهو عثور المستكشفين في تلك المنطقة على حجارة صغيرة ذات تراكيب عجيبة تؤكد صدق ما جاء في القرآن الكريم من وصف دقيق لهذه الحجارة. فالتوراة لم تذكر أن المطر الذي أمطرت به المدن كان على شكل حجارة بل قالت أنه كان كبريتاً وناراً دون تحديد الشكل الذي كان عليه الكبريت "24 فَأَمْطَرَ الرَّبُّ عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ كِبْرِيتًا وَنَارًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ".
أما القرآن الكريم فقد أكد على مواصفات الحجارة التي أمطرت على القوم فذكر أنها حجارة من طين {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ} ثم حدد لها وصفا آخر وهو أنها من سجيل {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} ثم وصف السجيل بأنه منضود وأن الحجارة كانت مسومة {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}.
وعلى الرغم من أن المفسرين قد إختلفوا في معاني السجيل والمنضود والمسومة إلا أن المعنى العام يوحي أن الطين قد شكل بطريقة معينة بحيث يوقع أشد العذاب بمن تصيبه هذه الحجارة. فقد قال بعضهم بأن السجيل المنضود هو طين قد طبخ حتى صار كالأرحاء (ذكره إبن عيسى) وقال البعض الآخر بأنه الحجارة الصلبة الشديدة (قاله أبو عبيدة) وقيل في المنضود أنه طين قد نُضَّد بعضه على بعض (قاله الربيع) وأما المسومة فقد قالوا أنها كانت مختمة على كل حجر منها إسم صاحبه وقال بعضهم أنها معلمة ببياض في حمرة (قول إبن عباس) وقال قتادة أنها مطوقة بسواد في حمرة ، والله تعالى أعلى وأعلم.